Invite your friends
بـ قلم / آلاء الشريفى. يتم التشغيل بواسطة Blogger.
افتقاد و حنين من مدونة فجر الفؤاد بين الشرف و الترف قصر الدبلوماسي أم قاصرة  يوميات عائلات مصرية

الأحد، 18 يناير 2015

مَن أكون (الفصل الاول)

فى بناية ذات طراز قديم فخم تظهر الخادمه التى ترتدى عبائة اثنت اكمامها حتى كوعها وقامت بـ تغطئة شعرها بـ عصبة ايشارب ، كانت تضع طعام الافطار على المائده التى جلس عليها الجد أسعد الراوى وزوجته زينب المنصورى فى انتظار حفيدتهما من بكريهما قاسم الراوى ، الشابة الجميلة المجتهدة المُشاكسة يسرا الراوى البالغه من العمر اربعاً وعشرون عاماً تلك الفتاة ذات البشرة البرونزيه والعيون العسليه اللامعه والشعر البنى الفاتح ، كانت يسرا الراوى فى غرفتها تجلس على مقعد مقابل لـ المرآه ، كانت صامتة لا تفعل شيئاً فقط كانت تنظر لنفسها فى المرآة وبعد فترة ليست بالقليلة تناولت فرشاة الشعر وقامت بـ تمشيط شعرها ثم قامت بربطه بطريقة عشوائيه وتناولت قرطاً ذهبياً قامت بوضعه فى اذنيها وبدون استخداماً لـ أياً من مساحيق التجميل على غير عادتها خرجت يسرا من غرفتها بعدما ارتدت نظارتها الطبية واخذت حقيبه يدها وبعض الملفات الورقية

خرجت يسرا وجدت جدها يترأس طاولة الطعام ويتصفح احدى الجرائد الاخبارية وجدتها كانت تجلس على يمينه ، جلست هى على يساره والقت تحيه الصباح التى ردتها عليها جدتها زينب فقط ولكنها قامت بمداعبه جدها الذى يظهر عليه علامات الغضب 


يسرا : صباحو يا جدو

أسعد : ايه صباحو دى ؟

يسرا : طيب اقولك ايه ، مانا قولت صباح الخير وانت طنشتنى

أسعد : طنشتنى !!

يسرا : طيب خلاص ، صباح الخير يا احسن جد فى الدنيا

زينب : خلاص بقى يا ابو قاسم

أسعد : لا مش خلاص ، انتِ كبرتى يا يسرا ولازم تتحجبى

(تناولت يسرا كوب النسكافيه الخاص بها واحتنضته بيديها وبدأت فى احتسائه) : انا مبقولش انى صح واكيد مينفعش اخد من الدين جزء واسيب الباقى

أسعد (وقد ترك الجريدة جانباً وتناول الخبز الاسمر) : طيب كويس انك عارفة

(تترك كوب النسكافيه جانباً وتتناول ساندوتش مربى الفراولة الذى طالما بدأت به صباحها وكانت اعدته لها جدتها) : عارف يا جدو ايه الفرق بين بنت اتحجبت بارادتها وبنت تانيه اهلها غصبوا عليها

أسعد : ايه يا فيلسوفة عصرك

يسرا : ان البنت اللى اتحجبت بمزاجها عندها رضا داخلى عن نفسها وعن دينها وعن الناس اللى حواليها ، البنت اللى اتحجبت بمزاجها اتحجبت لانها مقتنعه بالفعل ده ، هى وصلت لاسباب اقنعتها ان ده الصح ، البنت المحجبه بارادتها عندها قناعه شخصيه انها مش احسن من اللى مش محجبه وان اللى مش محجبه مش اقل منها فى شئ هى فقط وصلت لقناعه خليتها تتحجب لسه المش محجبه موصلتلهاش

أسعد (تعجب وقام بعقد حاجبيه) : يا سلام !!

زينب ( تنهدت تنهيدة تنمو عن استيائها من هذا الحوار اليومى الممل الذى لا يثمر بشئ) : خلاص بقى ربنا يكرمها وتتحجب (توجه نظرها الى يسرا) ، اشمعنى لابسه النضاره

يسرا ( وهى تستعد للمغادره ) : كسلت البس العدسات وعندى شغل كتير

- وفين المكياج "قالها أسعد مُتهكماً"

- ماليش مزاج "قالتها يسرا بزفرة ضيق"

زينب : هتجى على الغدا ؟

يسرا : معرفش ، هكلمك

أسعد : معاكى فلوس ؟

يسرا : متقلقش يا جدو

أسعد : طيب خدى بالك من نفسك


أخذت يسرا حقيبتها والملفات الورقيه الخاصه بها وخرجت من المنزل فى طريقها الى الجريدة الاخبارية التى تعمل بها صحفيه حيث ان يسرا خريجه اعلام قسم صحافة ، اما أسعد الراوى فكان مستاءاً جداً لـ عدم ارتداء حفيدته الحجاب فهو يرى ان الوقت قد حان اما يسرا فهى تتمسك بوجهة نظرها ورغبتها فى ارتداء الحجاب بقناعتها الشخصيه فقط ، فـ اين لذه الحجاب اذا كان ارتدائه نظراً لرغبة الكبار او خوفاً من نظرات الناس او بسبب قناعات خاطئة وغير ثابته تتغير مع الوقت ، فما اجمل ارتداء الحجاب الذى يجعل صاحبتهِ راضيه عن نفسها ، راضيه عن دينها ، راضيه عن قرارها وعن كل مَن حولها ، فـ يسرا لا تريد ذلك الحجاب الذى يجعلها تشعر بالضيق عندما ترى فتاة لا ترتدى الحجاب او يجعلها تتزمت لدرجة تشعرها انها مريم العذراء وان الفتاة الغير محجبه ماهى الا عاهرة لم تشملها رحمة الله وكرمه ، يسرا لا تريد سوى ان تشعر بذلك الرضا الداخلى والقناعه انها ليست افضل من غيرها

                                                                           **__**__**

فى مدينة الاسكندرية وتحديداً في منطقة سان ستيفانو يظهر قاسم أسعد الراوى فى غرفته امام المرآه يرتدى بزته الكحلى استعداداً لذهابه الى عمله حيث انه يعمل استاذاً بالاكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى فرع الاسكندرية وتظهر من خلفه زوجته نادية المنصورى والتى كانت تساعده فى ارتداء ملابسه وتتحدث اليه بنبره اعربت عن غضبها الداخلى وثورتها المكبوته


نادية : يا قاسم انا عايزة اشوف فهد 

قاسم (ينظر اليها من خلال المرآه) : قريب ان شاء الله

نادية : مانت كل مرة بتقولى كده ومبشفهوش

قاسم (يلتفت اليها) : مانا مش كل مرة لازم اقولك ان الاحسن ليكي وليه متشفوش بعض

نادية : ازاى يعني ؟

قاسم : نادية ، انا عندى شغل لما اجى نتكلم

نادية : زى كل يوم 


تطرق نادين الابنة الصغرى لـ قاسم الراوى ونادية المنصورى والتى تبلغ السادسة عشر من عمرها ، كانت تملك بشرة بيضاء اللون وعينين بنيتين ، كانت ترتدى زياً للمدرسة الثانوية حيث انها طالبه فى الصف الثالث الثانوى القسم العلمى وقامت بربط شعرها الكستنائي بطريقة ذيل الحصان ، اذنا لها والديها بالدخول


نادين : ماما ، انا نازله الباص جه 

نادية : فطرتى 

نادين : ايوة

نادية : طيب يا حبيبتى ، خدى بالك على نفسك


اقتربت نادين من والديها وقامت بتقبيل كليهما وخرجت من المنزل واستقلت الحافلة الخاصة بـ مدرستها الثانوية الخاصة قبل ان تلقى نظرة خاطفة خجولة على زميل الدراسه الذى اُغرمت به وهو لا يعيرها اى اهتمام

انهى قاسم الراوى ارتداء ملابسه وخرج من غرفة النوم وكانت تتبعه زوجته وذهبا الى طاولة الطعام التى وضع عليها طعام الافطار مُسبقاً من قبل زوجته 


قاسم (تناول قطعة من خبز التوست) : مهند لسه نايم ؟

نادية : ايوة ، معندوش كلية النهاردة

قاسم : تمام

نادية : كلمت يسرا ؟

قاسم : مش موافقة

نادية : يعنى هى عادى كده تقعد من غيرنا فى القاهرة ونشوفها يوم او يومين فى الاسبوع

قاسم : هى مستريحه فى شغلها هناك واكيد مش هجيبها هنا غصب عنها يعنى

نادية : اقنعها يا قاسم لانى مش قادرة اقنعها

قاسم : انتِ قلقانه عليها ليه !! دى مع ابويا وامى

نادية : مقولتش حاجة بس ايه الدافع القوى يعني اللى يخليها تقعد بعيد عننا

قاسم : نفس الدافع اللى خلانى اقعد فى اسكندريه بعيد عن ابويا وامى واخواتى البنات ، الطموح 

نادية : خليك دلع فيها كده ، الاول كانت بتجى يومين فى الاسبوع بسبب دلعك ده بقت بتجى كل اسبوعين شوية شوية وهتبطل تجى

قاسم : اهدى يا نادية انتِ بس اعصابك تعبانه بسبب فهد

نادية : انا مش عارفه الاقيها منين ولا منين

قاسم : ربنا يعينك عليهم


انهى قاسم طعام الافطار وخرج من منزله مستقلاً سيارته الخاصه ومضى فى طريقه الى الاكاديمية التى يعمل بها ، اما نادية قامت بـ تنظيف مائدة الطعام وبدأت فى تنظيف الشقة ثم امسكت الهاتف وقامت بالاتصال بـ يسرا


نادية : موحشتكيش !!

يسرا : وحشتيني اوى يا ماما

نادية : ماهو باين بدليل انك مجتيش الاسبوع الفات

يسرا : كان عندى شغل كتير والله

نادية : ما تشوفى يا يسرا شغل هنا وسيبك من قعدتك فى القاهره لوحدك دى

يسرا : يا ماما القاهره معروفه انها اسرع طريق للنجاح فى اى مجال

نادية : طيب جدك وجدتك عاملين ايه معاكى

يسرا : يا ماما انا قاعدة معاهم من لما كنت ١٨ سنه لسه برضه بتقلقي وبتسألى

نادية : غلطانه يعنى انى بطمن عليكي

يسرا : لا يا حبيبتى مش قصدى ، عموماً هما شايلينى فى عيونهم متقلقيش

نادية : ماشى يا حبيبتى ، ربنا معاكى ويوفقك

يسرا : يارب ، اخواتى عاملين ايه ؟

نادية : كويسين الحمد لله ، هتجى الاسبوع ده ولا ايه ؟

يسرا : اه هـ اجى الخميس ان شاء الله 

نادية : تجى بالسلامه يا حبيبتى


وانهت نادية الاتصال مع يسرا وقامت بتصفح الجريدة التى تعمل بها يسرا ، تصفحت الجريدة حتى قرأت تحقيقاً صحفياً كُتب فى اخره "بقلم يسرا الراوى" مما ادى الى سعادة بالغه لدى نادية ، على الرغم من ان يسرا تعمل فى الجريدة منذ احدى عشر شهراً الا ان نادية تشعر بنفس السعادة فى كل مرة ترى اسم يسرا لامعاً فى اخر مقالاً او تحقيقاً صحفياً ، بعدما انهت قراءه هذا التحقيق ابتسمت وهمست قائلة "ربنا يكرمك يا يسرا يارب" ، اغلقت الجريدة وتنهدت تنهيدة شقت صدرها من كثرة الالم والوجع واحكمت اغلاق عينيها على دمعتين كادا ان يفلتا منهما ورددت قائلة "ويحميك ويخرجك بالسلامه يا فهد"

                                                                             **__**__**

فى احدى الشركات الهندسية ظهر المحاسب عمر الصياد جالساً الى مكتبه وينظر الى شاشة الحاسوب الذى امامه ، عمر الصياد ذلك الشاب الوسيم ، طويل القامة الذى يبلغ من العمر ستة وعشرون عاماً ، عمر ذو البشره الحنطية والعيون الرمادية ، ظهرت بعض الشعيرات الخفيفه على ذقنه والتى زادت وسامته ، اثناء انشغال عمر بالعمل وقفت امامه حبيبته منذ سنوات قائلة "ايه يا باشمحاسب لسه مخاصمنى" ، عرف عمر انها حبيبته بدون ان ينظر اليها فقد عرفها من صوتها الذى يعشقه فـماذا يكون الحب ان لم تكن تعشق كل شئ فى شريكك ، ماذا يكون الحب ان لم تكن ترى حبيبك دون النظر اليه فـ انت تراه بقلبك وعقلك وتحاوطه بروحك ، تشعر بوجوده من رائحته ونَفَسِه ، هذا واكثر ما يشعر به عمر تجاه حبيبته وهى ايضاً تبادله نفس الشعور وربما اقوى فـ حبها له اقرب للجنون ، شعر عمر بسعادة غارمه عندما سمع صوتها فهو كان يشتاق اليها بشدة لانه لم يراها ولم يسمع صوتها منذ ثلاثة ايام ولكنه تحكم فى شعوره واستطاع ان تظهر تعابير وجهه يابسه اعربت عن غضب عارم ، رفع عينيه لها ونظر اليها نظرة طويلة كان يملؤها حب واشتياق لم يستطع ان يسيطر عليه ولكنه تحدث سريعاً حتى لا يضعف امام بريق عينيها العسليتين اللاتين طالما عشقهما


عمر : انتِ بتعملى ايه هنا ؟

يسرا (تجلس على مقعد مجاور للمكتب) : جاية اغلس عليك

عمر : يسرا ، انا مش قولتلك لا عايز اشوفك ولا اكلمك

يسرا : ايه يا عمر ، كل ده عشان قولتلك ان ده قرارى

عمر : لا يسرا ، عشان حضرتك عايزة تأجلى اى حاجة او تضحى بيها فى سبيل القرار ده ، حتى لو كانت الحاجة دى هى ارتباطنا الرسمى

يسرا : مين قال كده ، احنا ممكن نتخطب من بكره الصبح على فكرة

عمر : وانا مش هتجوز ممثله يا يسرا

- مانت مامتك كانت ممثلة "قالتها يسرا بنبرة يلمؤها التحدى"

عمر : مامتى ممثلتش كتير واعتزلت اصلاً قبل ما تخلفنى واظن لو كنت كبرت وهى لسه بتمثل مكنتش هقبل بحاجة زى كده حتى لو وصلت انى اقاطعها

يسرا : يعني ايه ؟

عمر : يعنى لو فعلاً مثلتى يبقي كل واحد يروح لحاله

يسرا : انت بتضغط عليا يا عمر !! بتقتل طموحى

عمر : طموح ايه !! انا من يوم ما عرفتك معرفش ان من طموحك تبقي ممثلة جديدة عليا دى

يسرا : مفيش حد فينا اتولد بطموحه ، كل سنة بنعيشها بتخلق جوانا احلام جديدة بنتمنى نعيشها ودى فرصه ، فرصه عرضها عليا واحد من اكبر وافضل المخرجين فى البلد

عمر : خلاص يا يسرا ، اقبلى بالفرصه دى ، مثلى ، اشتغلى ممثلة ، اتنقلى من حضن الممثل ده لسرير الممثل ده

يسرا : ايه اللى انت بتقوله ده !! مين قالك انى ممكن اقبل ادوار زى دى

عمر : وانتِ مين قالك انك هتنجحى بالادوار العادية

يسرا : يعني كل اللى نجحوا كان بسبب اللى انت بتقوله ده

عمر : فوقى يا يسرا احنا فى مصر ، يعني اقلع عشان تنجح

يسرا : طيب سبنى اجرب

عمر : يسرا ، هى السجاير حلوة ؟

يسرا : يعني ايه حلوة ؟

عمر : يعني اللى بيشربها بيحس انها حلوة ، طعمها حلو وعجباه

يسرا : انا مجربتش بس اكيد هى مضره

عمر : بالظبط ، مُضره بس هو عاجبه طعمها ، مُتناسى اضرارها او عارفها ومطنش لانه جربها ولما جربها شاف فيها جانب لذيذ وممتع بالرغم من الجانب السئ المُضر اللى الكل اتفق عليه

يسرا : قصدك ايه ؟

عمر : قصدى انتِ فهمتيه ، هتجربى المرة دى وتمثلى وتعجبك التجربه وتاخدى ادوار تانيه متناسيه تماماً الجوانب السلبيه للتجربه

يسرا : بس انا نفسى امثل

عمر : وانا عندى شغل ، ممكن تمشى

نظرت يسرا نظرة طويله الى عمر دون ان تنطق بكلمه واحدة وتركت المكتب مغادرة الشركة باكملها ، فـ هى ترى ان عمر يقتل طموحها ويحارب نجاحها ، ترى ايضاً ان تجربة التمثيل مثلها مثل اى تجربه او مهنه يمكن ان يمتهنها الانسان طالما لديه القدرة لكن عمر يرى ان يسرا لم يكن فى يوماً من الايام من ضمن احلامها ان تصبح ممثله وان هذا الحلم وليد العرض الذى عرضه عليها المخرج المشهور والذى لم يرى فيها سوى وجهاً وجسداً يمكن لهما اثبات ذاتهما اما رأى يسرا مُخالف تماماً لـ رأى عمر والتى ترى ان ليس هناك ما يسمى ان شيئاً ما ليس من ضمن احلام الشخص فـ الحلم يمكن ان يُخلق او يموت بـ لمح البصر

                                                                             **__**__**

فى الجريدة التى تعمل بها يسرا الراوى ، ظهرت يسرا تجلس الى مكتبها تحاول كتابة مقالاً جديداً ولكن لم تنجح المحاولة فـ كان حلم التمثيل والشهره والنجوميه يطاردها بقوة منذ ان رآها مخرج مشهور فى احدى المؤتمرات الصحفيه السياسيه وكان هو من ضمن الحضور نظراً لنشاطه السياسى اما يسرا فـكانت تقوم بـتغطئة هذا المؤتمر نظراً لـ عملها فى القسم السياسى الخاص بالجريدة ، عندما رآها المخرج "نور حمدان" انبهر بخفة حركتها ورشاقتها وجسدها واخيراً ملامحها الجميلة ، ردد بين نفسه قائلاً "هى دى طلقة الموسم" حيث ان نور حمدان كان مشهوراً بالوجوه النسائية الجديده فـكل عام تظهر احدى الفتيات من اللاتى هتكت عرضها عمليات التجميل وحقن السليكون كـ بطلة لـ احد افلام نور حمدان ، يحقق الفيلم اعلى الايرادات بسبب عرى البطلة وكثرة المشاهد المليئة بالايحاءات الجنسية والقبلات الحارة واللمسات والاحضان المثيرة للغرائز والتى اصبحت تجذب طبقة كبيرة من المشاهدين وبعد فلمين او اكثر قليلاً تختفى تلك البطلة وتظهر اخرى تأخذ مكانها وهكذا ، منهن مَن تتزوج احد الاثرياء العرب الذى يرغمها على الاعتزال ثم تنفصل عنه بعد ان تأخذ منه ما يكفيها من الاموال ليجعلها ملكة ومنهن مٓن تتزوج المخرج ذاته او منتج فيلمها ورغم ذلك فـ ان نور حمدى له افلام قوية تناقش قضايا هامه بعيده كل البعد عن الايحاءات والعرى ولكن لا احد حتى الان يفهم المغزى من وراء تلك الافلام الغير هادفة وما السر وراء ظهور تلك الفتيات واختفاءهن عن الساحه الفنية

لم تفكر يسرا كثيراً فى كل هذا ولم تكن تعيره اهتمام ، حاولت مراراً وتكراراً ان تكتب مقالاً ولكن عندما يأست من ذلك وضعت القلم فوق اوراقها وتنهدت قائلة "يخربيت السياسه ، ايه بس اللى خلانى اشتغل فى القسم ده ، نفس الاخبار ، نفس الكلام ، نفس كل حاجة ، يارب بقي اتنقل قسم الحوادث قضايا قتل واغتصاب وسرقة وتحقيقات حاجة كده تشغل المخ ولا افلام السيما

توقفت يسرا امام كلمة "افلام السيما" حيث انها فى نفس اللحظة لمحت مانشيت فنى لـ احد الاعداد التى نشرتها الجريدة التى تعمل بها والذى كان يقول " جريدة الحدث تنفرد بنشر حوار فنى مع النجمه نورسين بعد النجاح السحيق لفيلمها الاخير فتاة الشاطئ "

لمعت عينى يسرا وتخيلت نفسها بطلة فيلم من افلام نور حمدان الهادفة ، فيلم يحقق اعلى الايرادات ويتهافت الصحفيين عليها لاجراء الحورات الفنيه معاها ويتفق جميع النقاد على انها ممثلة لم يُخلق مثلها من قبل ، اعتلت شفتيها ابتسامه عريضه وبدت عينيها لامعه حالمة بذلك اليوم ، افاقها من خيالاتها واحلامها صورتها التى تجمعها بـ عمر الموضوعه امامها على المكتب ، تذكرته ، تذكرت حبه الصادق ، خوفه عليها ، اهتمامه بها ، وقوفه الدائم جانبها تنهدت تنهيدة طويلة وقالت "اااه يا عمر ، انت نقطة ضعفى"  

                                                                            **__**__**

فى غرفة شبابيه مزدوجه تتكون من سريرين يفصل بينهما "كومدينه" وضع عليها صورة مشتركه لـ عائلة " قاسم الراوى " وبعض الكتب والراويات ونظارة طبيه بعدما وضعت "الاباجورة" على الارض بين الكومدينه والسرير ، استقيظ مهند من نومه ولكنه لم يحرك ساكناً فقط فتح عينيه ونظر الى السرير الفارغ ، ذلك السرير الفارغ منذ تسعة اشهر لم يدب جسد شخصاً عليه فقط تقوم والدته بـتبديل الشراشيف الخاصة به ، امسك بالمفتاح الكهربائي الذى يتدلى من ظهر سريره واضاء المصباح الكهربائي الذى يرقد فوق سريره مباشرةٍ بعدما اتفق مع اخيه الاكبر على الغاء عمل الاباجورة من الغرفة ووضع مصباح كهربائى او باللغة الدارجة "اللمبة النيون" اعلى سرير كل منهما ، ارتدى نظارته الطبية حتى يستطيع ان يرى فـ مهند واخته يسرا ورثا اسوأ شيئاً من جدهما اسعد الراوى وهو ضعف النظر او ربما ضعف نظره -مهند- نظراً لكثره قرآئته واطلاعه ، كان مهند يبلغ من العمر ثمانى عشر عاماً ، متوسط القائمة ، ورث عن والدته البشره البيضاء وورث من والده العيون العسلية اللامعة ، لم يكن جذاباً بنفس قدر جاذبيه اخاه الكبير "فهد" ولكنه كان يملك شخصية متناقضه تماماً ، فـكان يعشق القراءة والكتب ومثقف الى ابعد حد رغم صغر سنه ، "شهم وجدع وابن بلد" كما يطلق عليه اصدقائه ورغم ذلك مازال هناك شيئاً من مراهقته عالقاً فى ذيله فكان مهند موهوماً بالبنات الجميلات يلاحقهن فى جامعته او على الانترنت الامر الذى دفع والدته للاستغناء عن الخادمة التى كانت تقيم معهما فى المنزل واصبحت تستعين بـ خادمه لتساعدها فى التنظيف عندما يكون مهند بالخارج او بالجامعه ، مهند الطالب بجامعة فاروس بـ الاسكندرية منذ دخوله مرحله المراهقة وقلبه لم يتوقف عن الخفق كلما رأى فتاة جميلة او كما يقول دائماً "مُزة اخر حاجة" ، شعر بالحب كثيراً وكل مرة كان يقول "هو ده الحب الحقيقى اللى نفسي فيه" وعندما تصبح الفتاة الجميلة فى نظره عادية نظراً لـ كثرة اعتياده عليها يتركها بحثاً عن اخرى تجذبه اكثر  

ازاح الغطاء من على جسده النحيل ونظر الى الصورة العائلية ودقق النظر فى ملامح اخيه الاكبر "فهد" وردد بابتسامه قائلاً " رغم انك كنت منعزل عنى ومقضيها رخامه عليا بس وحشتنى اوى ياد والبيت من غيرك مالهوش طعم ، ربنا يخرجك بالسلامه" ، خرج من الغرفه وذهب الى المرحاض المتواجد فى اخر طُرقة توزيع الغرف ، كان امام غرفته غرفة الاخت الصغرى العنيده المنعزلة -نوعاً ما- المراهقه الحالمة نادين بجوارها غرفة الاخت الكبرى يسرا والذين اعتادوا على عدم وجودها فى حياتهما نظراً لتواجدها الدائم فى القاهره منذ دخولها الجامعه هناك

خرج من دورة المياة وذهب الى المطبخ الموجود فى الجزء الاخر من الشقة حيث كانت والدته تقف فى المطبخ تقوم باعداد وجبة الغداء


مهند : ماما عايز افطر

نادية (دون ان تلتفت اليه) : تفطر ايه !! دى الساعة اربعه العصر شوية وهنتغدى

مهند (ينظر الى ساعته) : اربعة !! امال ساعتى بتقول انها واحدة وعشره ليه

نادية (تترك الموقد وتتجه الى غسالة الاطباق تخرج ما بها) : تلاقيها وقفت ولا حاجة ، كُل تفاحة ولا موزة لحد ما الاكل يخلص ، مش فاضل الا التحمير

مهند : مفيش اخبار عن فهد

نادية (تترك ما بيديها وتنظر اليه) : الاخبار عند ابوك ، مانعنا نشوفه هعمل ايه

مهند : عارفه يا ماما ، انا وفهد كنا ناقر ونقير بس انا مخنوق اوى من غيره ، الحياة مملة

نادية : ربنا يخليكوا لبعض يا حبيبى ونشوفه على خير ويرجع تانى يملى علينا البيت

مهند : يارب 

                                                                             **__**__**

قُبيل غروب الشمس خرج عمر من شركته وبمجرد ان ركب سيارته كانت يسرا تجلس فى الكرسى المجاور له ، شعر عمر بـ قلبه يرقص بداخله ، كان يود ان يحتنضها لانه يعرف ان عندما تقوم يسرا بـهذا التصرف فانها عدلت عن فكرة تمسكت بها ويرفضها عمر


يسرا : بص بقى انا اتسوحت النهارده ، من وسط البلد لـ مدينه نصر والعكس

عمر : وايه اللى سوحك كده

يسرا : قبل ما اروح الجرنال جتلك عشان فاكرة انك لما تشوفنى الصبح كده هتروق وتصالحنى ، طبعاً انت عارف ايه حصل ، سيبتك وطلعت على وسط البلد ومهنش عليا نفضل زعلانين كده كتير فرجعتلك تانى

عمر : انتِ عديتي عليا الصبح لانك اصلاً ساكنه قريب من شغلى وعديتي عليا برضه دلوقتى لانك مروحه فـ قريبه منى

يسرا : طيب ولو قولتلك انى صرفت نظر عن موضوع التمثيل ده هتقول برضه عشان قريبه منك


انتفض جسد عمر من السعادة ، حيث ان اخر ما توقعه هو ان يسرا العنيدة ، الثورية والمشاكسه تغير رأيها وتعدل عن فكرة تمسكت بها بهذه السرعه ، اعتلت ابتسامه صادقة شفتى عمر ادت الى ظهور تلك الغمازتين على وجنتيه واللذان اذا ظهرا يُعنى ان عمر فى قمة سعادته


عمر : بجد يا يسرا

يسرا : لا يا باشمحاسب بلاش الضحكه دى ، انا مش قد غمازاتك

عمر : انا بحبك اوى وعايزك تعرفى انى فعلاً خايف عليكي

يسرا : وانا عيزاك تعرف انى مش ممكن اضحى بيك تحت اى ظرف

عمر : اتغديتي ؟

يسرا : لا

عمر : طيب انا عازمك على الغدا


وطار عمر بسيارته الى احد المطاعم الفخمه لـ يحتفل بتغيير يسرا لرأيها او ربما لسعادته ان حبيبته عادت اليه لانه كان يرى ان التمثيل سيأخذ حبيبة عمره منه ، جلسا وطلبا الطعام ، اثناء انتظار الطعام اخرج عمر هاتفه النقال واتصل بوالدته ليخبرها بعدم مجيئه على الغداء


كاميليا : ايه يا عمر انت فين ؟

عمر : معلش يا ماما انا خرجت مع يسرا 

كاميليا : طيب هتتغدي بره ولا ايه النظام ؟

- هتغدي مع يسرا (قالها متلعثماً)

كاميليا : طيب يا حبيبى بالهنا والشفا


اغلق عمر الهاتف ونظر الى يسرا نظره يملؤوها الحب والاشتياق ، امسك يديها وابتسم ابتسامه اطلقت لغمازاته العنان


عمر : وحشتينى يا بنت الايه

يسرا : وعشان كده فضلت تلت ايام مخاصمنى

عمر : عشان فعلاً خايف عليكى ، انتِ يعنى متعرفيش اللى بيتقال على نور حمدان

يسرا : مش لازم يكون الكلام حقيقى وبعدين نور حمدان زى ما له افلام مُسفه له برضه افلام هادفه مفهاش اباحه

عمر : انتِ مش خلاص قررتى انك متمثليش ، بلاش بقى نفتح السيره دي

يسرا : تمام ، بس هى مامتك كانت اعتزلت ليه ، انت قولتلي انها ممثلتش الا تلت سنين

عمر : محبتش اعرف الاسباب المهم انها مكملتش فى السكه دى

يسرا : طيب هى مين من الممثلين ، بقالى سنتين اعرفك ومعرفش اسمها ايه حتى

عمر : كان اسمها شاهيناز 

                                                                              **__**__**

عاد قاسم الراوى من عمله واجتمعت العائلة على مائدة الغداء وبعد الانتهاء من الغداء قامت نادية بتنظيف المائدة بمساعدة صغيرتها نادين ، جلس قاسم  في احد الشُراف التي تطل علي البحر الابيض المتوسط فى انتظار قهوته وجلس معه ابنه الثالث مهند في حين جاءت عليهما ناديه وكانت تحمل صينيه وضع عليها قدحين من القهوة وكوب نسكافيه صنعته لـ مهند

تضع ناديه الصينيه علي منضده التفت حولها المقاعد ثم اعطت قاسم فنجانه وجريده اخبارية


نادية : قريت مقال يسرا النهارده

قاسم (يأخذ رشفه من القهوة) : قريته ومعجبنيش

مهند : وريني كده يا ماما (ويأخذ منها الجريده)

نادية : معجبكش ليه ؟

قاسم (يضع الفنجان علي الطاوله) : لانها بتكتب اراء ممكن توديها في داهيه مالها هي ومال السياسه

ناديه : الكلام ده كان قبل الثوره دلوقتي مفيش الكلام ده

قاسم : انا كنت فاكرها اخرها يعني تكتب في القسم الفنى او الاجتماعى لكن مش السياسي

مهند (وهو ينظر للجريدة) : امال لو عرفت يا بوب انها عايزه تتنقل قسم

الحوادث


قبل ان يعلق قاسم علي خبر رغبة ابنته نقلها الي قسم الحوادث جاءه اتصال هاتفى من رقم كان مسجلاً  بـ اسم " د.محمد شوقى" ، ترك القهوه جانباً ورد علي الهاتف وهو مرتبك قليلاً


محمد : اذيك يا قاسم

قاسم : الحمد لله يا محمد وانت ؟

محمد : انا عندي اخبار مش كويسه

قاسم بنبره قلقه : خير !!

محمد : فهد هرب

قاسم : ااااايه !!! هرب

محمد : انا هدور عليه فى الاماكن القريبة مننا بس قولت ابلغك بدرى بدرى عشان تتصرف معانا

قاسم (وزادت حدة وقلق صوته ووقف) : يعني ايه هرب !! فين الامن ، فين الناس اللى شغالين عندك

محمد : قاسم ، مش وقت خالص مُعاتبه ، احنا يدوب نتصرف

قاسم : طيب اقفل اقفل


اغلق قاسم الهاتف وظل يردد "استغفر الله العظيم ، ربنا يهديك يا فهد" مما ادى الى ارتباك وتوتر نادية فـ شحب وجهها وتحشرج صوتها ولكن مهند سأل السؤال التى كانت تود ان تسأله ولكن الخوف والارتباك منعه


مهند : فى ايه يا بابا !! مين ده اللى هرب ؟

قاسم : فهد ، اخوك الكلب ابن الكلب هرب ، انا ادفع دم قلبى وهو يهرب

نادية (وتساقطت من عينيها الدموع) : هرب !! راح فين !!

قاسم : انا عارف بقى ، يكون راح فى داهية تاخده

نادية (واعتلت نبرة صوتها) : انت السبب فى انه يهرب ، مانعنا نشوف بعض ، هو كان محتاج يشوف امه واخواته ، انت السبب

مهند : مش وقت الكلام ده ، احنا عايزين نعرف هو راح فين

قاسم : ادخل غير هدومك وهات موبايل اخوك وافتحه خلينا نكلم اصحابه

نادية : انا جاية معاكوا ، هدور عليه معاكوا

قاسم : تروحى معانا فين !! خليكي هنا مش يمكن يجى على هنا ولا يتصل


على عجلة بدل قاسم وابنه مهند ملابسهما وذهابا بـ سيارة قاسم الراوى للبحث عن فهد وكان فى خطتهما ان يذهبا اولاً الى اصدقائه ومعارفه ومن ثم الاقارب ، اما نادية لم تتوقف اعينها عن ذرف الدموع كانت قلقة من هروب ابنها واستطاع الشيطان ان يتحكم فى خيالها فـ صور لها تارة ان ابنها قد مات وتارة يخيل لها انه لن يعود للبيت ثانية

فـ ما اقسى شعور الام حين يسيطر عليها القلق على ابنها ولو علم الابناء ماذا تشعر الامهات تجاههم فـ لفكروا مئة مرة قبل اى تصرف ، فـ قلباً موجوعاً وعيوناً دامعه وعقلاً مشتت وخيالات واوهام سلبيه كل هذا يتجمع فى جسد ام انحنى ونحف من كثرة الحب والخوف على الابناء



#تابعونا

#مَن_أكون

#آلاء_الشريفى



0 التعليقات :

إرسال تعليق